الأحد 05 مايو 2024 م -
  • :
  • :
  • ص

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    واجب الأمة نحو الأسرى

    آخر تحديث: الخميس، 18 إبريل 2013 ، 00:00 ص

    الكاتب: حسن صافي المسالمة

    إن المطلع على تاريخ الأمة، يعلم أنها ما كانت تصبر على وقوع أبنائها، مواطنين أو جنود، أسرى في أيدي أعدائها، وذلك لأن الأمة تعلم من دينها أن الإنسان مكرم عند ربه، خصه الله سبحانه بهذا التكريم على سائر الخلائق، ولذلك فالأمة أيضاً لا تتعامل مع الأسرى الذين يقعون في أيدي أبنائها إلا بحسب ما يمليه عليها دينها، فهي لا تهين ولا تذل، بل تحسن وتكرم. وفي تكريم الإنسان يقول رب العزة سبحانه : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء.
    فالأسر هو القيد، وهو فقدان الحرية، ومَنْ يفقد حريته يفقد حياته، ومَنْ يقع في الأسر يهون عليه الموت، لأن الأسر هو موت بطيء، ولا يحس بمرارة الأسر إلا مَنْ عاناه، وكابد مشاقه وقسوته، ولقد قالوا في الأمثال: ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة.
    لقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنقاذ الأسرى وتحريرهم، بمثابة إنقاذه عليه السلام وتحريره وكأنه هو الأسير، أي أن مهمة إنقاذ الأسرى مهمة عظيمة، ومسألة خطيرة، لا تحتمل التأجيل أو التأخير، ولو بُذل من أجلها النفوس والأموال، وخاضت الأمة في سبيل ذلك المعارك والحروب، وذلك لأن الأسر فتنة للإنسان وللمؤمن أشد.
    عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ فدى أسيراً من أيدي العدو فأنا ذلك الأسير) رواه الطبراني في المعجم الصغير.
    وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لأَن أستنقذ رجلاً من المسلمين من أيدي الكافرين أحب إلي من جزيرة العرب) من مصنف ابن أبي شيبة 33253.
    فانظر إلى هذا الفهم العميق من قبل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لقيمة تحرير الأسرى، فهذا العمل عنده أحب إليه من جزيرة العرب، فحرمة الأسير المسلم عند الله سبحانه أعظم من حرمة الكعبة، والمسجد الحرام، والمسجد النبوي، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حُرْمَتَكِ، والذي نفس محمد بيده لَحُرْمَةُ المؤمن أعظم عند الله حرمة منك: ماله ودمه، وأن نظن به إلا خيراً). رواه الترمذي (2039).
    لذلك فإن تحرير الأسرى وإنقاذهم من محنتهم واجب لا يجوز التفريط به، أو التقاعس عنه، وهذا مما لا تختلف عليه كل الأمم والشعوب، وكل الشرائع والقوانين، وفي ذلك يقول الله تعالى : {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (75) سورة النساء.
    وفي الخطاب عتاب للمسلمين لتقصيرهم في هذا الأمر الواجب، والتكليف المقدس، لإنقاذ أبناء الأمة من قيد الأسر، وظلم الآسرين مما يوقعونه على الأسرى من معاناة وشدة وضيق، وفي ذلك يقول ابن العربي في كتابه أحكام القرآن: قال علماؤنا: "أوجب الله تعالى في هذه الآية القتال لاستنقاذ الأسرى من يد العدو مع ما في القتال من تلف النفس، فكان بذل المال في فدائهم أوجب لكونه دون النفس وأهون لها". ج1 ص459.
    ويعلق سيد قطب رحمه الله على ذلك فيقول: "وكيف تقعدون عن القتال في سبيل الله واستنقاذ هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان؟ هؤلاء الذين ترتسم صورهم في مشهدٍ مثيرٍ لِحَمِيَّةِ المسلم، وكرامة المؤمن، ولعاطفة الرحمة والإنسانية على الإطلاق؟ هؤلاء الذين يعانون أشد المحنة والفتنة" الظلال 2 / 708.
    ولذلك فإن علماء الأمة متفقون على وجوب تحرير الأسرى من أيدي الأعداء، وفي ذلك يقول الأحناف: "إنقاذ الأسير وجوبه على الكل متجه من أهل المشرق والمغرب" حاشية ابن عابدين 4 / 126.
    وأما علماء المالكية فيقولون: "يجب على الإمام – الحاكم - فك الأسرى من بيت مال المسلمين، فما نقص عن بيت المال تعين في أموال جميع المسلمين على مقاديرها" الذخيرة 3 / 220. هذا إن كان لا يقدر على قتالهم، وإلا فالقتال أولى.
    وأما علماء الشافعية فيقولون: "إذا أسروا مسلماً واحداً وجب علينا أن نواظب على قتالهم حتى نُخلصه أو نبيدهم، فما الظن إذا أسروا خلقاً كثيراً من المسلمين؟". أحكام الجهاد وفضائله.
    وعلماء الحنابلة يقولون في ذلك: "يجب فداء أسرى المسلمين إذا أمكن" المغني 8 / 445.
    وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفُكوا العاني) رواه البخاري 3046 والعاني هو الأسير.
    ولذلك فإن جمهور فقهاء المسلمين مجمعون على وجوب تحرير أسرى المسلمين، وأسرى المواطنين الذين يعيشون معنا مستأمنين في وطننا، من أهل الذمة، فإن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فنحن أبناء وطن واحد وشعب واحد.
    واتبع المسلمون لإنقاذ أسراهم طرقاً عدة، مستوحاة من الكتاب العزيز، والفعل النبوي الكريم، ومن ذلك القتال، وإرسال الفرق الفدائية، أو فداؤهم بالمال مهما بلغ، ففي كتاب الله ورد قوله : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (72) سورة الأنفال. فمن طلب النصرة وجب على الأمة نصره، بتسيير الجيوش ومنازلة العدو حتى نصره وإنقاذه.
    وتذكر السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما وصل المدينة، شكل فرقة من خيرة الصحابة، لإنقاذ أسرى المسلمين، من الذين لم يتمكنوا من الخروج من مكة المكرمة، وكان يقودها الوليد بن الوليد بن المغيرة. كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا المسلمين إلى بيعة الرضوان، أو بيعة الموت، لما وصله خبر أسر المشركين لعثمان بن عفان رضي الله عنه.
    وكان الخلفاء الراشدون حريصين على أن لا يكون لهم أسرى عند العدو، وقصة عبد الله بن حذافة السهمي، معروفة في استنقاذه لأسرى المسلمين من أيدي الروم، في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
    ويذكر لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، إرساله فرقة فدائيين من بلاد الشام، لإنقاذ أسير واحد من المسلمين في القسطنطينية.
    ويذكر التاريخ لهشام بن عبد الملك أنه أرسل جيشاً خلف الترك، الذين غزوا أردبيل من قرى أذربيجان، وأخذوا أسرى من المسلمين ومن أهل الذمة منها، فلحقوا بهم حتى أنقذوهم جميعاً.
    كما يذكر التاريخ للمعتصم رحمه الله أنه خرج على رأس جيش من أجل إنقاذ امرأة مسلمة واحدة قد وقعت في أسر الروم، وهتفت وامعتصماه.
    والمنصور بن أبي عامر في الأندلس، يذكر له التاريخ أنه كان لا يقر له قرار وأسير واحد من المسلمين عند الفرنجة.
    كما أن صلاح الدين رحمه الله عمل على تحرير آلاف الأسرى من المسلمين الذين وقعوا أسرى في أيدي الروم من سكان بلاد الشام، وكان منهم أيضاً مواطنون من أهل الذمة.
    وفدى المسلمون أسراهم خلال حروبهم الطويلة بالمال، كما عقدوا اتفاقيات تبادل الأسرى مع أعدائهم، ووثائق الصليب الأحمر والمؤسسات الدولية اليوم، تشهد على القوانين والأنظمة التي رسخها المسلمون خلال تاريخهم الطويل، في التعامل مع الأسرى خلال الحرب والسلم.
    وأمر الإسلام في التعامل مع الأسرى بالمعروف، فحض على الإحسان إليهم في المعاملة، وإطعامهم وكسوتهم في الصيف والشتاء، ومداواتهم، والمَن عليهم بالعفو عنهم وإطلاق سراحهم، أو فداؤهم بأسرى مقابلهم أو مال، أو عمل معين فيه مصلحة للمسلمين، ضمن اتفاق لإطلاق سراحهم.
    قال الله تعالى : {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} (4) سورة محمد. ومعنى المن هنا العفو وإطلاق السراح، ومعنى الفداء واضح.
    وقال سبحانه : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (8) سورة الإنسان، وكان المسلمون يفضلون الأسرى على أنفسهم في الطعام والشراب، أي أسرى العدو وذلك لأن الأمر من الله ورسوله، والإحسان إلى الأسرى بهذا المضمون عبادة.
    لكل ذلك فإن الأمة اليوم مقصرة أعظم التقصير، اتجاه الأسرى من أبناء الشعب الفلسطيني، والذين يتعرضون للأسر منذ قرن من الزمان أو يزيد، وليس في حق أبناء فلسطين فقط، بل في حق أسرى الأمة في كل مكان، وخير شاهد على ذلك وضع الأسرى في سجن غوانتينامو، وأبو غريب، وقلعة باغ رام في أفغانستان، وما يجري في بورما وغيرها كثير.
    وأعظم ما يُدمي القلب، أن يكون العدد الأكبر من أسرى الأمة، في سجون الأنظمة التي تحكم في أوطاننا، من سجناء الرأي، والمخالفين سياسياً لتلك الأنظمة، حتى وصل الأمر إلى أن يقول القائل عن تلك الأنظمة وسجونها: الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود.
    والذي يهمنا في فلسطين أسرانا الذين يتعرضون للموت البطيء، ونحن نحيي يوم الأسير الفلسطيني في 17/4 من كل عام، فإننا في هذا العام، أمام وضع جَدُّ خطير، ونحن نتابع أخبار أسرانا وهم يُقبلون على الموت بقوة، حيثُ أصبحوا لا يهمهم الموت إذا قورن بالأسر، فالموت عندهم أهون من دوام الأسر الذي لا نهاية له، فالسنوات تمر سريعاً ولا أمل لهم بفرج قريب، فإلى متى يصبرون؟! وهم يرون الأمة لا تأبه لهم، ولا تهتم لأمرهم؟!
    لذلك فإننا نرى إقبال الأسرى على الإضراب عن الطعام حتى النهاية، وعشنا مع أيمن الشراونة أكثر من مائتين وسبعين يوماً، حتى رضخ الاحتلال لإخراجه إلى قطاع غزة، وعاب عليه البعض ذلك، لأنه رضي بالإبعاد إلى غزة، وكأن غزة ليست بلادنا، ولو كان ذلك البعض يُعاني مرارة الأسر، وضيق السجن، وتنكيل السجان، ما تجرَّأ على كلام، ولكن هكذا هي دنيا المرتاحين، يسهل عليهم الكلام والانتقاد، لأنهم ليسوا مَنْ يُعانون البلاء.
    ويستمر سامر العيساوي في إضرابه الذي تجاوز المائتين وسبعين يوماً، والذي يرفض الإبعاد إلى أي مكان في الدنيا، ويصمم على موقفه، إما الشهادة وإما القدس!
    لقد أحرجنا سامر العيساوي، أحرج رجولتنا، أحرج الصبر فينا، أحرج الشعوب والقيادات، أحرج الإنسانية والبشرية، أحرج الصادقين والمخلصين، أحرج المنظرين والمتفوهين المتشدقين، أحرج وجودنا وبقاءنا، أحرج كل المؤسسات الدولية والعربية والمحلية، إلا الاحتلال، فالنتيجة للاحتلال معروفة سلفاً، إنْ يمت سامرٌ فقد مات قبله آخرون، وردة الفعل مقدورٌ عليها، مسيراتٌ هنا وهناك، وعشراتٌ من الشبان يقذفون الحجارة، وحرائق تشتعل في الطرقات، وما يلبث كل شيء أن يخمد ويسكن، وكأن شيئاً لم يحدث، بانتظار الشهيد القادم.
    أما على المستوى الرسمي، فشجبٌ خجولٌ واستنكارٌ هزيل، وتهديد بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، وغيرها من المؤسسات الدولية، والتي هي في المُحصلة تقف خجولة أمام إدانة دولة الاحتلال، وإنْ أدانتها فهي غير ملزمة لها بشيء.
    أين أمة المليار والنصف؟! أين جامعة الدول العربية؟! أين منظمة التعاون الإسلامي أو سمها ما شئت؟! ألا تستطيع هذه الأمة بجامعتها العربية، ومنظمتها الإسلامية، وشعوبها المختلفة، أن تنصر فلسطين وأسراها وقدسها ومسجدها الأقصى؟؟؟!!! ألم تتعلم الأمة شد الرحال إلى مكة والمدينة والملايين يفعلون، فأين شد الرحال إلى الأقصى؟؟؟!!!
    أخجل أن أقول لك يا سامر اصبر، وأخجل أن أقول لكم أيها الأسرى المضربين عن الطعام، أو غير مضربين اصبروا، فأنا وأنتم وكل شعبنا وأرضنا ومقدساتنا وقياداتنا وأفرادنا، وكبارنا وصغارنا، ونسائنا ورجالنا أسرى، لا نتحرك أو نسكن إلا بموافقة السجان، ويا ليت الأمة افتدتنا بالمال الذي يُهدر في الغرب والشرق على الشهوات والغرائز، وتبرعات لحدائق الحيوانات في لندن وباريس وواشنطن، إرضاءً لنزوات الملوك والرؤساء والأمراء، أدامهم الله ذُخْراً لأسيادهم.

    (المصدر: وكالة معاً الإخبارية، 15/4/2013)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

قوات الاحتلال الصهيوني تحتل قرية خربة الشونة قضاء صفد، والطابغة والسمكية وتلحوم قضاء طبريا، وعاقر قضاء الرملة

04 مايو 1948

بريطانيا تصدر مرسوم دستور فلسطين المعدل 1923

04 مايو 1923

استشهاد المجاهد مهدي الدحدوح من سرايا القدس متأثرا بجراحه التي أصيب بها في قصف صهيوني على سيارته وسط مدينة غزة

04 مايو 2007

الأرشيف
القائمة البريدية