الإثنين 29 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    المحرَّر غنيم: أطفالُ الحجارة لهبٌ أثار فؤاده بركان الانتقام

    آخر تحديث: الإثنين، 00 00 0000 ، 00:00 ص

    فيما يشبه المعتقل فرض على نفسه الإقامة الجبرية وأضرب عن الطعم، تجاهل نفسه والعالم من حوله، وراح بفكره وروحه إلى من شاركهم في عيشهم وملحهم من الأسرى الذين كان يقبع قربهم، عله يقدم شيئا من التضامن معه.
    إنه الأسير المحرر عبد الهادي غنيم الذي نفذ عملية الحافلة (405) في السادس من يوليو لعام 1989م والتي أسفرت عن مقتل ستة عشر جنديا صهيونيا، وجرح أربعة وعشرين، ورغم انقلا الحافلة في واد سحيق كتب الله له النجاة، ليحكم عليه بالسجن ستة عشر مؤبدا، وأربعمائة وثمانين عاما.
    يقول غنيم: "كنت قد وضعت الشهادة نصب عيني وأنا ذاهبٌ لتنفيذ هذه العملية، حتى إنني لم أحمل نقوداً إلا للذهاب فقط من )تل أبيب) إلى القدس، فالشهادة هي ما كنت أصبو إليه، إذ قلبت الحافلة وقتلتُ ستة عشر شخصاً وجُرح أربعة وعشرون لكنني لم أستشهد وبقيت على قيد الحياة".
    استيقظ للمرة الأولى وهو لم يزل في بطن الوادي الذي انقلبت فيه الحافلة، النيران حوله من كل مكان.. كان يسمع أصوات ضجة الناس والإسعافات، لكنه لم يقوَ على الهروب، ثمَّ لم يشعر بنفسه إلا في المستشفى.
    ويضيف:" كنت مصاباً بإصابات بالغة الخطورة، وكنت في حالة غيبوبة لا أفيق منها إلا لدقائق معدودة ثم أفقد الوعي ثانيةً، وكنت أنتظر الاستشهاد على أحرّ من الجمر".

    لم يكن بالحسبان
    الاعتقال لم يكن وارداً في السيناريو الذي رسمه غنيم لنفسه عند ذهابه لتنفيذ العملية الإستشهادية، فقد وضع أمامه هدفين لا ثالث لهما، إيذاء الاحتلال ثم الشهادة، لكن الله اختار له شيئاً آخر.
    فرغم صعوبة وضعه الصحي لم يستشهد، يقول: "أودعت في عزل الرملة وهناك بدأت في التفكير المعتقل، كيف يمكنني أن أمضي وقتي فيه وكيف يمكن لي أن أصمد؟!".
    التفكير بمصير الأهل من ورائه سيطر على ذهنه، والخشية مما سيفعله الاحتلال بهم، يقول عن ذلك: "فتوقعت أن يكونوا قد هدموا بيتي، واعتقلوا أهلي، كعادتهم حين يقوم أحدنا بأعمال فدائية ويواصل: "بعدها علمتُ أن ما توقعته قد حصل فعلاً فقد هدموا المنزل، واعتقلوا إخوتي وأصدقائي وأولادهم، لكن أهلي بحمد الله صمدوا رغم كل هذه المعاناة".
    ولكن كيف استطاع غنيم أن يترك ابنه الوحيد في يوم ميلاده وينفذ العملية؟!، يردّ: "رفضت أن أراه، لأنني أحب الأطفال كثيراً، إذْ لم أرد لعقلي أن يفكِّر في الأمر خوفاً من التراجع".
    فما هو الدافع الذي دفع غنيم لتنفيذ هذه العملية؟!، يقول غنيم: "ما رأيته من ممارسات للاحتلال خلال الانتفاضة الأولى، وملاحقته للشباب وطلاب المدارس"أطفال الحجارة"، وقد كنت مشاركاً بقوة في هذه النشاطات حتى أصيب صديقي رضوان أبو شميس في إحدى هذه المواجهات وأصيب بالشلل".
    وتابع: "ففكرت أنه يمكنني أن أستشهد بعد أن أوجع الاحتلال، فتولدت لدي فكرة خطف الحافلة، وهذا ما فعلته".

    لا أفق للنهاية
    الاعتقال صعبٌ جداً وهو استنفار دائم بينك وبين السجان، "فمصلحة السجون الصهيونية تتعمد أن تضع المعتقل في قبر وتعدمه حيَّا، لكن بجهود الأسرى وفهمهم التنظيمي استطاعوا أن يحولوا مقابر الأحياء "المعتقلات" إلى جامعات أنتجت كوادر من كل التنظيمات قادت العمل الوطني الفلسطيني"،
    يضيف غنيم. ويردف: "في المعتقل يجب ألا يترك الأسير التفكير يشغله، حتى لا يتعب نفسه، فلم أكن أترك المجال للتفكير بالأهل والزوجة والابن أن يسيطر عليَّ خاصةً لأن محكوميتي عالية، فشغلت نفسي بالدورات التي كانت تعقد في السجن والنشاطات الرياضية، فكنت منشغلاً طوال الأسبوع". خلال سني اعتقاله الاثنين والعشرين، كانت الواقعة الأشد صعوبة على نفس غنيم، وأثرّت فيه كثيراً، وفاة والدته قبل أربع سنوات، تلك الواقعة التي يعجز حتى الآن غنيم عن وصف مدى صعوبتها على نفسه، فالوالدة لم تكن تترك زيارة إلا وتذهب إليه، وتنتقل معه من معتقل إلى آخر، حتى في أثناء كونه مُعاقباً وغير مسموحٍ له باستقبال الزوار كانت تصر على زيارته وتقضي وقت الزيارة على باب المعتقل، كان صعباً عليَّ كثيراً ألا أستطيع وداعها الوداع الأخير، يضيف غنيم.

    مفاجأة الإفراج
    "فهل كان لدى غنيم أملٌ بأن يعانق الحرية في ظل محكوميته العالية"؟، يجب بنبرة ملؤها الثقة: لقد كان ضباط مصلحة السجون دائمي التهديد لي بأنني لن أخرج من المعتقل أبداً، حتى إن أحدهم قال لي قبل اثنين وعشرين عاماً وثلاثة أشهر وعشرة أيام: "إنك ستموت في هذه الزنزانة وسيكون قبري فيها"، فقلت له: "إن الله الذي أنقذني من الموت المحقق في بطن الوادي قادرٌ على أن يخرجني من سجنك هذا".
    طوال فترة التفاوض بين المقاومة والاحتلال حول الجندي "جلعاد شاليط " كان غنيم يعلم بأن الاحتلال يرفض الإفراج عنه، حتى إن إدارة السجون كانت تنقله من سجن لآخر طوال تلك الفترة حتى لا يستطيع أن يعلم أياً من أخبار الصفقة، حتى سنحت له فرصة التواصل مع القائمين على الصفقة في خفيةٍ عن إدارة السجن فأخبروه بأن وضعه صعب وأن الاحتلال يرفض الإفراج عنه.
    هذا الخبر أثر سلباً على نفسية غنيم، وكان وقعه صعباً جداً على نفسه، فقد كان يأمل أن يكون من ضمن المفرج عنهم في ظل إصرار المقاومة على الإفراج عن أصحاب المحكوميات العالية والقدامى، ضمن الصفقة.
    إلى أن جاء يوم الإعلان عن صفقة التبادل وكان غنيم يتابع مع زملائه محطة التلفاز الصهيوني باللغة العبرية التي كانت تبث أسماء المفرج عنهم، وكان وضعه النفسي غايةً في الصعوبة، إلا أن التلفاز الصهيوني حمل له المفاجأة فذكر أن الإرهابي الخطير صاحب عملية باص "405" ضمن المفرج عنهم.
    "إنه أنا ! لم يذكروا اسمي لكنه أنا، من ضمن المفرج عنهم ، كان شعوراً لا يوصف.. فرحةٌ ممزوجةٌ بالألم، لأن زملاءً آخرين من أصحاب المحكوميات العالية ممن تقاسمت معهم العيش والملح طوال أكثر من عشرين عاماً لم تكن أسماؤهم ضمن المفرج عنهم".

    نار الشوق
    وأخيراً التقى غنيم وحيده "ثائر" في لقاءٍ حار يقول: "تركته وعمره ساعات ووجدته وقد أصبح شاباً يافعاً، كنت أعدُّ الدقائق والثواني وأنا خارجٌ من المعتقل، أنتظر لحظة وصولي إلى الأراضي الفلسطينية كي أحتضن "ثائر".
    على معبر رفح كانت هناك مراسم استقبال رسمية للأسرى المفرج عنهم، لكنني لم أطق الانتظار فقفزت من شباك الحافلة واحتضنتُ ثائر، كان لقاءً رائعا، فأخيراً تمكنت من احتضان وحيدي .. بعدها التقيت بقية العائلة ودخلت صراع الاندماج مجدداً في الحياة خارج المعتقل التي وجدتها تختلف تماماً عما تركتها عليه قبل اثنين وعشرين عاماً..

    (المصدر: صحيفة فلسطين، 12/5/2012)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

اغتيال المجاهد نضال اسماعيل عبيات من سرايا القدس على أيدي الوحدات الصهيونية الخاصة في بيت لحم

29 إبريل 2002

قوات الاحتلال الصهيوني ترتكب عدة مجازر في قرى كفر عانة وسلمة والخيرية قضاء مدينة يافا

29 إبريل 1948

الأرشيف
القائمة البريدية