الشهيد علي العيماوي بطل عملية أسدود النوعية

"أيها الأحبة في الله.. وصيتي لكم.. أن تحفظوا دمنا.. أن تسيروا على نوره ودربه.. لا تخونوا الأمانة التي حملها الله لكم.. ولا تنبهروا بحب الكراسي.. ولا تنخدعوا بدعاة الاستسلام والهزيمة، فالحق لا يستجدى، وحياة العزة لا تأتي إلا بالجهاد"، ( فنحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، وإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).
كانت تلك الكلمات النورية رسالة الشهيد علي طالب العيماوي في وصيته التي كتبها بمداد دمه الذي أريق يوم الخميس السابع من أبريل لعام 1993م، حيث كان صائماً ممتثلاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،: " تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن تعرض أعمالي وأنا صائم".
تمر الذكريات الجميلة حاملة معها عبق الشهادة وعظمة الشهداء الأبطال الذين صنعوا التاريخ بمداد دمهم، وألهبوا القلوب حبا وعشقا للأرض التي شرفنا ربنا بالرباط فوقها. تعود بنا ذكريات الدم الذي هزم السيف، ليشخص أمام أعيننا بطل مقدام كان عنوانا لمرحلة أرخت لمنعطف في التاريخ، إنه الشهيد علي العيماوي.
تقدم شهيدنا البطل مجتازاً الحدود الفاصلة حتى وصل إلى محطة لتجميع الجنود الصهاينة بالقرب من مدينة اسدود وهناك فتح نيران مدفعه الرشاش عليهم، حيث قتل اثنين من الضباط الصهاينة أحدهما برتبة "ميجر" و هو مسئول أمن المستوطنات في قطاع غزة، وجرح ما لا يقل عن عشرة آخرين برصاصه، إلى أن باغتته رصاصات أحد الجنود، ليتحقق الحلم الذي اختاره لنفسه وكانت أمنيته التي عبر عنها لأهله وذويه.

الشهيد المجاهد علي العيماوي في سطور
الشهيد المجاهد علي طالب العيماوي هو ابن مخيم الشاطئ الذي احتضن عائلته بعد هجرتها عنوة عن مسقط رأسه قرية "المسمية"، كما غيرها الكثير من العائلات الفلسطينية التي هجرت من بلداتها ومدنها بفعل الإجرام الصهيوني والصمت العربي والإسلامي المريب ليعيشوا منذ أكثر من ستين عاماً حياة الشتات واللجوء، فعاش الشهيد علي كما أبناء المخيمات حياة البؤس والحرمان، ولكنه تميز عن أقرانه منذ صغره بهدوئه والتزامه بتعاليم الإسلام وحفظ القرآن الكريم في حلقات التحفيظ التي تعقد في المساجد، فشب رجلاً في سلوكه الذي اتسم بالنضج والوعي بكل مجريات الأمور التي تدور من حوله.
ببساطة وبكل وضوح كان " الشيخ علي" كما كان أصحابه ينادونه، رجلاً متميزاً بأخلاقه وحسن معاملته لإخوانه وورعه وصدق إيمانه، فكان يؤدي الصلوات الخمس في المسجد، ولم يترك الصلاة حتى وهو ملقى على سرير المستشفى أثناء إصابته برصاص جيش الاحتلال، فكان مميزاً حتى في أداءه الصلاة إذ كان يؤديها خاشعاً بشكل ملفت للنظر، حتى ظن أصحاب الظنون أنه يتظاهر في ركوعه وسجوده الطويل.
كما كان يعشق القرآن الكريم منكباً على حفظه وفهم معانيه وتفسيره، يقرأه والدموع تنهمر من عينيه، حريصاً على صلاة النوافل وقيام الليل باستمرار، وكان حريصاً على الفرائض والسنن حتى في أدق الأمور، ويبتعد عن الشبهات ويسأل عنها احترازاً منها.
وفي أيامه الأخيرة حرص الشهيد "علي" على تكثيف دوره الدعوي، فلم يكن ليرى إنسانا أو جماعة إلا وجلس معها وحثها على الصلاة، فكان له فضل عظيم في توجيه الكثير من الشباب التائه إلى المساجد، لتبقى سيرته رسالة لمن بعده لتبث فيهم روح الجهاد والتمسك بالدين الحنيف.
أما عن علاقته الأسرية فكان الشهيد العيماوي مثالاً للابن البار بوالديه، يتذلل لهما ويخفض لهما جناح الذل من الرحمة، واصلاً لرحمه ويزور أخواته، ويدعوهن دائماً للصلاة وقراءة القرآن، يحب أخواته وأطفالهن ويحببهم في الدين ويداعبهم ويطعمهم الحلوى التي كان يشتريها لهم.
كان "علي" مثالاً للإنسان المسلم العارف لربه، يشهد له كل من عرفه بالتقوى والصلاح والإخلاص، وقد كان أول الداخلين للصلاة في المسجد وآخر الخارجين منه. وكان مواظباً على صلاة الجماعة في الصلوات كلها لا سيما صلاة الفجر.
ويقول عارفوه إنه كان يحفظ ثلث القرآن، حيث كان يتلوه على مسامع مؤذن المسجد الأبيض، كيف لا وهو من كان منذ تفتحت عيناه على الحياة ملتزماً بالعبادة وطاعة الله وهداية الآخرين، كما كان يواظب على الاعتكاف في شهر رمضان طيلة سنوات حياته القصيرة، فكان ممن يصدق القول فيهم:  "رهبان بالليل، فرسان بالنهار".
وتميز الشهيد علي بعلاقته الطيبة التي مبدأها الأخوة في الله مع كافة الفصائل، وكان محبوباً من الجميع لا يسيء لأحد، متسامحاً حنوناً يبغض المظاهر ولتي نراها اليوم لدى الكثيرين، فكان رحمه الله يردد دوماً كلمته الخالدة "الشهادة أمنيتي الوحيدة ولا شيء في هذه الدنيا يشغل بالي إلا هي".
الحديث عن حياة الشهيد "علي" الجهادية يدمي القلب الطاهر، فمنذ نعومة أظفاره أدرك الواقع من حوله، وتقدم للتضحية بنفسه، وجاهد في الله حق جهاده حيث أصيب سبع مرات خلال المواجهات مع جنود الاحتلال وتعرض لخمس مرات للاعتداء بالضرب المبرح على أيدي جنود الاحتلال، فكان بشهادة جميع شباب المخيم وعلى مرأى عيونهم كان دائماً في مقدمة قاذفي الحجارة، لم يتقاعس عن مواجهة جيش الاحتلال.
آمن الشهيد علي بالله رباً وبالإسلام ديناً، والتزم في صفوف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ كان ابن الخامسة عشر من عمره، آمن بأفكارها وبأطروحتها واستشعر مصداقيتها، وأكد ذلك باستشهاده، آمن بالوحدة الإسلامية كضرورة حتمية وضرورة شرعية وكان ذلك واضحا جلياً في وصيته التي تركها.
كان الشهيد "علي" يعشق الشهادة ويمجد الرصاصة ويتلوا آيات القرآن في محراب المسجد، ولم يكن غريباً أن يستشهد "علي" الذي عشق الجهاد والشهادة حتى باتت كل أمنياته وكل مطالبه بالحياة، وخاصة أنه عاش وشاهد قسوة العدو الصهيوني وعنفه ضد أبناء شعبه من قبل عائلته التي هجرت من بلدتها الأصلية، فقد عاش فترة الانتفاضة المباركة معايشة يومية رأى فيها القتل والإرهاب وتكسير العظام.. رأى الظلم بأم عينيه حيث عاش الاحتكاك اليومي مع جيش الكيان الصهيوني ولم يسلم من ظلمهم ووحشيتهم وممارساتهم اليومية.
أحب الشهيد علي التيار الجهادي الذي يدعو دائماً إلى مقاتلة بني صهيون وجهادهم بكل الوسائل المتاحة بالحجر بالسكين.. بالسلاح.. بالصاروخ..
وقال لأحد أصدقائه في حركة الجهاد ذات مرة: "إنني لست بحاجة إلى كتيبات تكرهني بالصهاينة والأمريكان والروس وأتباعهم لأنني قد تشبعت تماماً من هذه الناحية ولا استطيع أن أكرههم أكثر، فقد كرهتهم بما فيه الكفاية".
وبرهن الشهيد "علي" كيف يكون كره أعداء الله عملياً، عندما انقض عليهم بسلاحه الرشاش كما الأسد الهصور ليوقع في جنود الاحتلال القتل وليذيقهم نفس الكأس الذي يذيقونه يومياً لشعبنا الفلسطيني، فكانت شهادته يوم الخميس السادس والعشرين من شوال لعام 1414هـ الموافق السابع من ابريل لعام 1993م. لقد أسرع الشهيد علي إلى ملاقاة ربه صائماً، وبل وقد نال رضى والده في اليوم الذي سبق استشهاده، طالباً من أمه أن تقدم يوم استشهاده العصير بدلا من القهوة، لأنه يوم عرس وليس يوم حزن، ولم يخطر ببال أهله أن ابنهم قد أعد العدة للرحيل إلى دار البقاء، بعد أن تبرع بكل ما يملك من ما من مال وكتب وحاجيات، ليلقى الله كما يحب المؤمنون المخلصون لقاءه.
فإلى جنات الخلد يا شيخنا المجاهد.. ولا نقول وداعاً بل إلى لقاء مشرف في فسيح جنات رب العلا

(المصدر:  Ù…وقع سرايا القدس)