مؤسسة مهجة القدس ©
ميسرة أبو Øمدية.. شهيد الإهمال الطبي
بقلم/ نوال صلاØ
لم تأت ساعته بعد، غاب وعاد، اختار أول الربيع لنبوءته القادمة، وتعطر بزيت اللوز وتكلل بتاج الملائكة.. .إنه ميسرة الذي Ùاجأنا بموته الصعب، Ùاجأ سجانيه بقدرته على تجاوز Øدود الموت.. ميسرة الناطق باسم الشهداء الذين سقطوا وباسم الذين سو٠يسقطون قهرا ومرضا عندما تدور الأمراض ÙÙŠ أجسادهم سنة وراء سنة، ويغلق السجانون أمامهم نواÙØ° القلب، ولا يبقى سوى رقصات الموت تØلق Øول أرواØهم الشاردة.
الشهيد ميسرة أبو Øمدية أبو اسنينة (أبو طارق).. ابن مدينة الخليل الذي ولد عام 1948Ù…ØŒ وقد Øصل على دبلوم ÙÙŠ الإلكترونيات من القاهرة، ومن ثم التØÙ‚ بجامعة بيروت لدراسة الØقوق Ùˆ لم يكمل الدراسة بسبب ظرو٠الملاØقة والاعتقال من قبل الاØتلال.. Ùقد انخرط ÙÙŠ صÙو٠الثورة عام 1968Ù…ØŒ وتم اعتقاله بتهمة الانتماء لاتØاد طلاب Ùلسطين ÙÙŠ العام 1969.
وكذلك تم اعتقاله عدة مرات ÙÙŠ الÙترة بين 1969-1975ØŒ تم اعتقاله ÙÙŠ 1976 تØت الاعتقال الإداري وبقي Øتى العام 1978ØŒ وليتم Øينها إبعاده من المعتقل للأردن.
التØÙ‚ أبو طارق ÙÙŠ صÙو٠الثورة الÙلسطينية وكان من مناضلي القطاع الغربي ÙÙŠ لبنان مقاتلاً ÙÙŠ كتيبة الجرمق الكتيبة الطلابية والتي كانت بقيادة المناضل معين الطاهر، عمل ضمن مجموعات التيار الإسلامي ÙÙŠ ÙØªØ ÙˆØ§Ù„Ø°ÙŠ أسسه منير Ø´Ùيق ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ù…Ù† قياداته البارزة، وكان يعمل على المزاوجة بين المقاومة والعمل الإسلامي.
تميز بأخلاقه ودينه وخبراته التقنية الÙنية ÙÙŠ مجال التصنيع المقاوم، وكان مناضلا ومجاهدا Ùذا يعمل بجد وصمت، شهد له بالتدين والالتزام بالعبادات، عقلية إستراتيجية مميزة ÙÙŠ التÙكير السياسي والجهادي، خبير ÙÙŠ إعداد المتÙجرات والعبوات الناسÙØ©ØŒ عقلية أمنية مميزة.
أشر٠أبو طارق على تجهيز وتخطيط العديد من العمليات العسكرية الكبرى وهو ÙÙŠ الخارج، كان ÙÙŠ مقدمة هذه العمليات (عملية الدبويا) الشهيرة ÙÙŠ الخليل، وعمليات أخرى ÙÙŠ القدس مثل عملية (باب المغاربة) وغيرها.
عاد أبو طارق إلى الأراضي الÙلسطينية المØتلة بعد اتÙاقيات أوسلو عام 1998Ù…ØŒ والتØÙ‚ بصÙو٠جهاز الأمن الوقائي، ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ù…Ø³Ø¤ÙˆÙ„Ø§ عن قسم مكاÙØØ© التجسس، لكن عمل أبو طارق الوطني داخل الجهاز لم يرق لقيادة الجهاز آنذاك، ÙØصلت مشادات وخلاÙات بين أبو Øمدية وقيادة الجهاز على خلÙية كيÙية ملاØقة عملاء وجواسيس الاØتلال، انتهت بخروج أبو Øمدية من الجهاز بعد شهور قليلة جدا.
رغم عودة أبو طارق إلى الأراضي المØتلة ضمن اتÙاقيات أوسلو، إلا أن أبو طارق كان يدرك أن الاتÙاقيات لن تØقق للشعب الÙلسطيني أي مستقبل كان، لذلك تÙرغ للعمل المقاوم الصامت، بعيدا عن المواقع الرسمية، وبني جسور وعلاقات مع كتائب عز الدين القسام، ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ù…Ù† أبطال القسام الميامين، الجنود المجهولين، الذين أذاقوا العدو الويلات، وسطروا Ùصولاً من الجهاد والمقاومة ضد الصهاينة المغتصبين Øيث التØÙ‚ بكتائب القسام منذ بدايات عملها وشارك ÙÙŠ تدريب المجاهدين، وعمل بصمت وجهد دءوب على إمداد المجاهدين Ø¨Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø ÙˆØ§Ù„Ù…ØªÙجرات.
اعتقل الجنرال العجوز ÙÙŠ الثامن والعشرين من مايو لعام 2002ØŒ بعد اعتراÙات ÙÙŠ أقبية التØقيق أدت إلى تطويق منزله ÙÙŠ منطقة الØاووز ÙÙŠ الخليل لعلاقته المباشرة مع مجموعات عسكرية تابعة لكتائب القسام ÙÙŠ بلدة بيت Ùجار قضاء بيت Ù„ØÙ…ØŒ Øيث قام بتجهيز Ø£Øزمة ناسÙØ© متÙجرة لهذه المجموعات الاستشهادية التي قامت بعدة عمليات مميزة.
تم نقله إلى زنازين التØقيق التي مكث Ùيها عدة أشهر، قدم بعدها إلى المØاكمة ÙˆØكم علية بالسجن خمسة وعشرين عاما، إلا أن النيابة العامة استأنÙت الØكم، وأعادت Ù…Øاكمته، ليرتÙع الØكم إلى مؤبد.
بعد صÙقة ÙˆÙاء الأØرار، انتقل ميسرة إلى أقسام Øماس ÙÙŠ معتقل ايشل ونÙØØ©ØŒ وكان مثالا للوØدة الوطنية وتجميع الأسرى، Øيث عمل أبو طارق خلال اعتقاله على تقريب وجهات النظر بين أسرى Øماس ÙˆÙتØØŒ لا بل كان يعمل على إعداد مشروع مصالØØ© بين ÙØªØ ÙˆØماس من داخل السجون والمعتقلات.
وخلال الشهرين الأخيرين من اعتقاله ومنذ اكتشا٠السرطان لديه طرأ تدهور متسارع وكبير على وضعه الصØÙŠØŒ ما هدد Øياته، ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ù…Ø¤Ø®Ø±Ø§ بين الØياة والموت، Øيث عانى من انتÙاخ ÙÙŠ الغدد الليمÙاوية، وهبوط Øاد ÙÙŠ الوزن، وعدم القدرة على النطق وأوجاع ÙÙŠ كاÙØ© أنØاء الجسد، خصوصا الأضلاع والعضلات وعدم استطاعته النوم ليلا ونهارا من شدة الألم.
ويشتد المرض والألم ويÙتك الورم بميسرة.. ميسرة الناطق باسم الشهداء الذين سقطوا وباسم الذين سو٠يسقطون قهرا ومرضا عندما تدور الأمراض ÙÙŠ أجسادهم سنة وراء سنة، ويغلق السجانون أمامهم نواÙØ° القلب، ولا يبقى سوى رقصات الموت تØلق Øول أرواØهم الشاردة.. هو الشاهد على ما يجري ÙÙŠ تلك الغياهب المعتمة، أجساد مخدرة بأدوية المسكنات، معاقون ومشلولون تساقطت أطراÙهم واختنقوا بالأوجاع، كل يكتب وصيته قبل الÙجر، ويختبئ ÙÙŠ جسده المØطم وينتشر ÙÙŠ الغياب.
ويقترب أبو طارق من Øد الموت وهو الذي رأى كي٠سقط الشهداء أبو هدوان وزكريا عيسى وزهير لبادة، وعرÙات جرادات وأشر٠أبو ذريع، بلا وداع، الوقت كان سيÙا، والجسد يغلي ويبرد، Øمى وصراخ وعدم. أجساد معلقة على الأمل، درب مقÙر، Ø£Ø±ÙˆØ§Ø Ù…Ø¹Ù„Ù‚Ø© أجراسا تنتظر كأسا من الماء ترويها وتنكسر، ولا تسمع ÙÙŠ الليل إلا صوت الØديد يقطع ظل المرضى، ينØرهم ولا ينام.
ينقل أبو طارق مسربلا بأوجاعه ومقيدا بزرد السلاسل إلى قسم العناية المكثÙØ© ÙÙŠ مستشÙÙ‰ سوروكا.. ولتÙيض روØÙ‡ الطاهرة إلى بارئها عند الساعة الثامنة من ØµØ¨Ø§Ø ÙŠÙˆÙ… الثلاثاء المواÙÙ‚2/4/2013 بعد معاناته من مرض السرطان نتيجة الإهمال الطبي.
ÙˆÙيما ودع أبو Øمدية الØياة الدنيا من على سرير الموت ÙÙŠ مشÙÙ‰ سوركا يسجل التاريخ أبشع جريمة وأخطر عمل منظم لقتل الأسير ميسرة مع سبق الإصرار وارتكاب مؤامرة متعددة الأطرا٠شاركت بها مدرية السجون العامة والمخابرات الصهيونية بسبب الإهمال الطبي والتلكؤ بالإÙراج عنه.
وليكون استشهاده دليلا آخر على خطورة الأوضاع ÙÙŠ سجون الاØتلال، وظرو٠سجون الاØتلال وزنازين التعذيب وما يعانيه الأسرى ÙÙŠ السجون من أشكال التعذيب والإهمال الطبي المتعمد والممارسات اليومية التي تÙوق تصورات العقل البشري بØÙ‚ الأسرى الÙلسطينيين، وتلقيهم معاملة ÙˆØشية وقاسية على أيدي القائمين على السجون بشكل منهجي مدروس مسبقا من أجل النيل من صمود الأسرى ÙÙŠ سجون الاØتلال.
ميسرة أبو Øمدية أنت عدت، نجوت من أل٠سرطان اØتلالي، قاومت الوباء ÙÙŠ السجون، وأنزلت كل الأقنعة: أقنعة الدولة التي تمارس الجريمة البطيئة بØÙ‚ الأسرى، الدولة التي ذبØت السلام ÙÙŠ جسدك، أقنعة الدولة التي صارت دولة سجون تطارد الØرية والقيم الإنسانية ÙÙŠ كل مكان،أقنعة دولة القراصنة التي اكتشÙتها من الداخل، ÙÙŠ الزنزانة ÙˆÙÙŠ البوسطة وعلى سرير المشÙÙ‰ ÙˆÙÙŠ Øقول القمØ.
أبا طارق.. أنت عدت، نزلت عن صهوة الموت وصعدت سلم السماء، وهم عادوا إلى السجن يبØثون عن بقاياك من رسائل وخربشات ملغومة بالأمنيات، Ùشهداؤنا يعودون Ø£Øياء، والقتلة يعودون أمواتا ÙÙŠ شكل Ø£Øياء، يختنقون بأشباØنا وأعمارنا الطوال.. قلت لهم: "أنا من ولدتني الخيل ÙÙŠ أعالي الجليل، وأنا ابن لغة الأرض ودوالي الخليل، أنا ابن كوÙية وبØر وقدس وماء وجامع وكنيسة، أنا من زرعتني أمي برÙÙ‚ لأكون أنا، هنا وغدا ÙÙŠ الضوء والنصر والصلاة وعودة اللاجئين والمعذبين".