فكر الشقاقي: أعاد تعريف المقاومة و دور الحركات الإسلامية فيها

في دراسته لفكر الشهيد المعلم فتحي الشقاقي، ركز المفكر الباحث في العلوم السياسية الأستاذ سميح حمودة على أهمية أرث الشقاقي الفكري في إعادة رسم دور الحركات الإسلامية في الصراع القائم في فلسطين من منطلق إسلامي ووطني وعقائدي.
وأهتم حمودة بالتركيز على دور المعلم في الدمج ما بين الحركات الإسلامية والمقاومة، وبالعكس، بعد أن كانت لسنوات طويلة تنظر إلى المقاومة وكأنها مرحلة متقدمة من نضالها.
ويوضح حمودة في مقابلة سابقة مع فلسطين اليوم، هذا المعنى قائلا: "كان هناك إسلام بلا وطنية ووطنية بلا إسلام والشقاقي كان أول من جمع بين الطرفين، كما هو التاريخ الفلسطيني منذ بداية الحملة الصهيونية والمقاومة تسير يدا بيد مع الإسلام، وما يسمى بالحركة القومية العربية بذورها الحركة الإسلامية في فلسطين ولم تنفصل إلا في الخمسينيات والستينات".
واعتبر حمودة أن عبقرية فكر الشقاقي يتجلى في تحرره من معادلة موازين القوى التي أرتطم بها فكر الكثيرين، ففكر المقاومة لم تكن مقرونا لديه بميزان القوى، بمعنى أن المقاومة واجب وفرض على الفلسطينيين والعرب والمسلمين بغض النظر عن مدى قوة الأعداء.
واستلهم الشقاقي هذا الفكر من تجربة القسام، فحين قام بثورته في العام 1935 كان لديه فقط العشرات من المجندين الذين يملكون أسلحة بسيطة جدا، ولكنه اعتبر مقاومة بريطانيا واجب مقدس، ونجح في تفجير أكبر ثورة في التاريخ الفلسطيني قبل النكبة، ليصبح رمزا للمقاومة الفلسطينية المعاصرة، وهكذا الشقاقي الذي لم يحسب الحسابات المادية كما تحسبها الآن أغلب القيادات السياسية الفلسطينية، وإنما كان يعتبر أن هذا الواجب يتحتم القيام به وترك النتائج على الله وان الجهاد نفسه سيفجر طاقات الأمة.
وهذه المعادلة، برأي الأستاذ حمودة، مهمة لأنها تعني عدم القبول بالاستسلام، وعدم القبول بإملاءات الآخر وإنما مواجهتها والتصدي لها والوقوف في وجهها.
وفي دراسته وتحليله لهذا الفكر، لم يغفل الأستاذ حمودة أهمية الشقاقي في الحركة الإسلامية، والذي برز في وقت اتسم فيه الفكر السياسي الإسلامي بالتخلف، الأمر الذي عكس نفسه على الحركية اتجاه القضية الفلسطينية بمعنى أن هناك أحزاب لم ترتق لمستوى القضية الفلسطينية.
فحزب التحرير الذي وجه له الشقاقي انتقادات في الجوهر، يملك منهجاً تحليلياً ولكنه مبني على أسس وفرضيات خاطئة، ومنعزل عن الواقع وبعيد عن التفاعل مع الجماهير؛ بالمقابل فقد أولى الإخوان المسلمون قضية التربية لكوادرهم أهميةً أكبر من الجهاد والمقاومة، واعتبروا أن التربية تسبق الجهاد، فكان رد الشقاقي بأن التربية لا يمكن ان تتم إلا من خلال الجهاد، بمعنى أن تربية الأمة لا تتم بمعزل عن الجهاد وإنما تتربى الأمة وتتطهر، وكذلك الشعب الفلسطيني، عندما يمارس الشباب هذا الجهاد وعندما تكون الأمة في مواجهة مع الاحتلال، هذه المعادلة هي التي شكلت إحدى الخلفيات الفكرية لتأسيس حركة حماس.
و يتابع الأستاذ حمودة:" الذي يقرأ الفكر السياسي لجماعة الإخوان المسلمين قبل الشقاقي، أي قبل تأسيس الجهاد الإسلامي، وبعده يجد أن هناك تغيرا كبيرا، فقد بدأت الجماعة تتبنى شعارا بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للحركة الإسلامية، وهذا الشعار لم يكن موجودا من قبل.
و بعد بروز الشقاقي وفكرته، وجد الإخوان أن هذه المقولة إحدى الشعارات التي يجب أن يتبنوها وذلك لعاملين الأول: انه، أي الشقاقي، شكل تحدي لهذه الجماعة وجمودها في هذا السياق وصنع نموذجا جديدا اضطرت أن تلحق به، الأمر الثاني أنه بدأ يؤثر في أفكار الشباب الذين بدأوا بالضغط على القيادات الإخوانية، التي استجابت وشرعت بالعمل الجهادي، ولم يكن هذا حاصلاً قبل أن بدأت القواعد بالتحرك بنفس الاطار الفكري الذي أثاره الشقاقي.
ومعلوم ان الحدث السياسي يسبقه تغير فكري، فحماس كحركة سياسية انطلقت في العام 1987، هي نتيجة للتغير الفكري الذي أحدثه الشقاقي في الإخوان المسلمين بصورة مباشرة وصورة غير مباشرة، كما يقول حمودة.
ورغم هذا التأثير على الحركة، إلا أن الشقاقي كان يميز نفسه عن الإخوان المسلمين، فهو في قراءاته النقدية للحركة الإسلامية انتقد الإخوان المسلمين وسلبيتهم اتجاه القضية الفلسطينية وجمودهم عند شعارات معينة وانغلاقهم الحزبي، واعتبر ان هذه الأسباب هي التي تشكل عائقا أمام قيادة الإخوان المسلمين للجماهير الفلسطينية. 
وكان التمييز أشد اكتمالا خلال تيار إسلامي حركي يتبنى القضية الفلسطينية ويحملها ويدافع عنها ليس فقط في الأوساط السياسية والمحافل الشعبية وإنما بالدم والجهاد.
وهذا الحدث لم يؤثر فقط على الحركة الإسلامية، برأي الأستاذ حمودة، وإنما قلل من تسارع خطط التسوية التي كانت منظمة التحرير تسارع الخطى باتجاهها وتقدم التنازل تلو التنازل، فقد كان من الممكن لقيادة منظمة التحرير قيادة الشعب الفلسطيني لهاوية التسوية بسرعة اكبر مما حصل وبفترة زمنية أقصر بكثير، ولكن المقاومة التي واكبت أوسلو بطأت من سرعة هذه التنازلات وكشفت الوجه الحقيقي لإسرائيل ونواياها وأن الأمر ليس موضوع سلام وإنما ترسيخ للاحتلال والاستيلاء على المزيد من الأرض وطرد السكان.