الخميس 25 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    أحمد أبو نصر في عيون والديه منفذ عملية كيسوفيم

    آخر تحديث: الإثنين، 06 فبراير 2012 ، 00:00 ص

    "عندما دخلت عليه في غرفته لأوقظه لصلاة الفجر، لأجده "يُجَهِّزُ نفسه": كان يرتدي ملابس "الميدان" ويحمل معداته القتالية. بدأت أتوتر. صحت به: ما الذي تفعله يا أحمد؟ التفت إلي وهو يقول: "أنا ذاهب لتنفيذ عملية فدائية يا أمي. ادع الله لي كي تنجح!"، ثم قَبَّلَ وجهي ويَدَيَّ، وهو يقول: "تذكري يا أمي أن يوماً واحداً في الجنة يساوي الدنيا وما فيها..". أذكر ساعتها أنه قال لي أيضا: "اليوم سيعرف الصهاينة من نكون نحن. "والله لنفرجيهم الويل"!". توجه بعدها إلى الباب بهدوء فيما كنت أتبعه وأنا مذهولة لا أستطيع النطق. التفت إلي قبل أن يخرج وهو يبتسم: "إدعيلي يا أمي!"، ثم خرج. حُلَّت عقدة لساني عندها، وصحت به: " أحمد!"، لكن ظلمة الشارع سرعان ما أخفته بعيدا..! ".

    ذاكرة المكان
    بمجرد دخولك إلى قرية "عبسان الكبيرة" الحدودية ستجد وجوه أهل القرية السمراء تتأملك بإلحاح عجيب، في قرية لا يدخلها الغرباء إلا نادراً. ما سيلفت انتباهك أن أمس لم يكن يوما عاديا بالنسبة لأهل عبسان الكبيرة على الإطلاق: حلقات الشباب والشيوخ من أبناء المنطقة تتناقل شفاهة ما جرى في الصباح من استشهاد أحد أبناء القرية بعد أن قتل جندياً صهيونياً من لواء "جولاني" الذي يعد أحد ألوية النخبة في جيش الاحتلال، فيما أصيب ثلاثة شبان من قريتهم بعد إصابة مباشرة من صاروخ لطائرة استطلاع.
    أحد شهود العيان وصف لي المشهد: "كانت وجوههم وثيابهم غارقة مغطاة بالتراب المختلط بالدم. شابان على الأقل كانت حالتهما خطيرة جدا، فقد بترت ساقا أحدهما حتى أنه تدحرج بفعل الانفجار بعيدا عنهما بعد البتر! ولا يزالون بالمستشفى حتى هذه اللحظة..".
    كان علي المضي في طريقي بحثاً عن بيت الشهيد أحمد أبو نصر، هذا الفتى الذي لم يعش سوى عشرين ربيعاً ثم مضى في طريقه.. رحت أبحث عن بيت أحمد، وسط تحلق الأطفال حولي كلما تحركت داخل القرية، إلى أن وصلت أخيرا إلى البيت. سألت أحد الشباب هناك: " أين أجد والد أحمد؟". "هناك!"، قالها وأشار إلى سرادق كبير يبعد عن البيت أمتارا معدودة..

    عند الفجر..
    عظم الله أجركم! - شكر الله سعيكم! وين انتا يا ابن الناس؟! منيح ع العموم إنو شفناك ب"عرس" ابني أحمد!
    كان أحد أهالي القرية من معارف والد أحمد يعزيه، عندما وصلت إلى المكان. بعد أن عرفته بنفسي، قال لي مرحبا: "تفضل!"، فيما نهر أحد أقربائه الأطفال الذين تحلقوا حولنا: " بس يا أولاد! خلص إبعدوا من هان! عيب عليكم بيكفي..!". تجاهلت الموقف، فيما رحت أنصت لوالد أحمد وهو يتحدث: "قد لا يعرف الناس بأنني أسميت ولدي على اسمي، فقد كنت مطاردا خلال الانتفاضة الأولى، وأردت تسمية ابني البكر باسمي لأنني كنت "مطارداً" من قبل قوات الاحتلال، وكان احتمال استشهادي "واردا وبشدة"، مما جعلني أسميه بهذا الاسم يبقى اسم "أحمد" بالبيت إذا استشهدت، لكن الله شاء أن يستشهد هو..!
    هل تستطيع أن تحدثني عن اليوم الأخير في حياة ولدك؟ بالتأكيد..
    كان أحمد يبدو شارداً في اليوم الأخير بحياته وكأنه "يستعد للقيام بشيء ما".
     Ù„Ù… يستطع والده أن يعرف السبب، ليهدئ مخاوفه بأن "المسألة لا تستحق كل هذا القلق!". يتابع بالقول: "أيقظته اليوم لصلاة الفجر، كما أفعل مع جميع أولادي. بعدها بنصف ساعة، سمعت صوت اشتباكات شديدة عند السلك الحدودي الفاصل بيننا وبين الأراضي المحتلة عام 1948. وجهت فوراً إلى غرفة أحمد للتأكد بأنه موجود بالبيت لكنني لم أجده! اتصلت بهاتفه المحمول فوجدته مغلقاً، فأيقنت ساعتها أنه "يقاتلهم" هناك..!".

    وسط إعصار من الهواجس والمخاوف التي كانت تجتاحه، كان عليه التظاهر أمام زوجته وأولاده بأن "كل الأمور على ما يرام" كيلا ينتبهوا إلى سبب قلقه، فيما كانت أم أحمد تقاسمه ذات المشاعر، فقد رأت ابنها بعد أن أيقظه أبوه بوقت قصير وهو يستعد ل"معركته"، وكانت تعلم جيداً أن ولدها في وسط "المعمعة"، إن لم يكن سببها! عند الساعة العاشرة، أذاعت وسائل الإعلام خبر استشهاد مقاوم فلسطيني من قرية عبسان، لتصيح أمه بحرقة: " أحمد..!". حاول تكذيب مخاوفها، لكنه لم يستطع أن يهزم "مخاوفه": كان هو وزوجته يدركان الحقيقة دون أن يعرف أحدهما أن "الآخر" يعلم كل شيء! بعدها بمدة قصيرة، تأكد الخبر، وراح أهل القرية يتوافدون على المنزل لتقديم واجب العزاء للأسرة المكلومة.
    قطع حديثنا أحد أقرباء والد أحمد ليخبرنا بهذا الخبر: "جثمان أحمد وصل الآن إلى غزة أخيرا، وهو في طريقه إلى مستشفى الشفاء هناك!  ÙˆÙ‚د أخبروني بأن جثمانه "سليم" لم يتفتت لأنه استشهد بسبب الرصاص".

    أطلق والده تنهيدة قوية كأنما أزاح جبلا عن صدره، قبل أن يتمتم: " الحمد لله.. أبلغوا والدته بهذا الخبر كي تطمئن..".
    وجدتها جالسة هناك في ساحة أمام منزلها، وسط عشرات النساء المتشحات بالسواد: كانت تحاول أن تتمالك نفسها، لكن الدموع غلبتها مراراً. قالت لي: " قلب الأم لا يخطئ. كنت أشعر بأنه مقبل على فعل شيء ما منذ يوم الاثنين الماضي، لكنني لم أعرف ما الذي كان ينوي فعله. بالأمس رأيته وهو يرتدي زيه "الكاكي" كي يستقبل جثامين شهداء "مقابر الأرقام". كان سعيداً للغاية ساعة عودته إلى المنزل. قال لي: " بدي دعواتك يا أمي! يوم الجمعة أنا "رايح"! ".
    غلبتها الدموع، فيما تصيح النسوة من حولها: " وحدي الله يا أم أحمد!". توقفت ساعتها محاولة تمالك نفسها، وهي تكمل: "لم أفهم ما الذي كان ينوي فعله، إلا صباح يوم عمليته. كثيرا ما كان يقول لي" يكفيك إخوتي الخمسة في حياتك، أما أنا فأريد أن أنفعك أنت ووالدي عند الله..!".

    غادرت بعدها عبسان الكبيرة، فيما كانت الشمس تستعد لمشوار الغروب. كانت القرية تتجهز ليوم الغد، حيث ستضع السطر الأخير في قصة الشهيد أحمد عندما تودعه الوداع الأخير..

    (المصدر: صحيفة فلسطين، 2/6/2012)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد الأسير معزوز دلال في مستشفى آساف هروفيه الصهيوني نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد

25 إبريل 1995

استشهاد الأسير عبد الصمد سلمان حريزات بعد اعتقاله بثلاثة أيام نتيجة التعذيب والشهيد من سكان بلدة يطا قضاء الخليل

25 إبريل 1995

قوات الاحتلال ترتكب عدة مجازر في الغبية التحتا، الغبية الفوقا، قنير، ياجور قضاء حيفا، وساقية يافا

25 إبريل 1948

العصابات الصهيونية ترتكب المجزرة الثانية في قرية بلد الشيخ قضاء مدينة حيفا

25 إبريل 1948

الأرشيف
القائمة البريدية